صلاة الحياة

في رحم بنغازي ..
يبصق الشيطان، تولد حرب، تستمر سنة، اثنان، ثلاثة، تنقطع الكهرباء..
تتحسس المدينة الطريق..
تتحسس المنارة اثداء الكاتدرائية.. رغم أن الكل راكع لكن لاتجد من يصلي.. للحياة.. صلاة الحياة .. الكل يصل للموت .. صلاة الجهل.

تقول جدتي .. مر روميل من هنا، و تشرشل أيضاً.
يقول الحاج بوزيد: سرق الطليان الزوامل أغنام أبي.
والسر في بنغازي أدب، حكمة و حشمة، شيخ الجامع فعل فعلته في شرج إبن الجيران الذي كبر ففعل فعلته في إبن المسؤول الذي ورث المسؤولية عن أبيه، كان أميناً.. صار وزيراً .. لاعجب أن كل المسؤولين زوامل، حيث ختم شيخ الجامع في دبرهم.

فلماذا لم يرصف الله شارعنا؟ و لماذا لم تعلمني الحياة كيف افعل ذلك.. أعني دون أن يؤتني شيخ الجامع من دبري .. دون أن أصبح مسؤولاً .. أصلي دائماً .. صلاة الجهل للموت.

و كنت في تونس حينما اخرج لي سائق التاكسي ورقة عشرة دينار و زمجر في وجهي مشيراً الى صورة عمر المختار قائلا: “انتم لاتمتلكون تاريخاً سوى هذا”، و قد غلبني التعب و انا اقص عليه كيف انتزع برسيوس رأس ميدوسا في نهر الليثون، حيث فعل كذلك ابناء راف الله السحاتي، و كيف اننا قرصنا سفينة فيلادلفيا الامريكية و سطونا عليها، و اننا دفنا رؤسنا في التراب خشية ان يرانىطا فرسان المعبد، لكن تاريخنا.. كله وجله .. لايحتوي سوى الحروب .. القتل، و نسيت ان العالم قد تجاوز بالفعل القتل و الحرب، رغم كل المعارك صارت الحرب صلاة .. صلاة الجهل للموت، وصرن نحن هنا في ليبيا رهبان في معبد الموت، كنائس الدم .. تلك التب تتحسس المنارة اثدائها..
عادت الكهرباء .. و عادت الحان المرسكاوي تعزف مرة اخرى.. بحزن .. عتبي .. و الغربة قسامي نا وياك.
الم يحن الوقت لنتموت بعد؟
.. لعلنا نحيا .. لعلنا نصلي .. صلاة الحياة.

*جزء من النص مفقود*

تشارلي تشارلي ..
الطريق من البيضاء إلى بنغازي ملئة بالجثث .
وفي أساطير الأولين يقال بأن البوسعدية قد قطع رأس ميدوسا هنا و حمله بيديه في الطريق من نهر الليثون حتى حوض الدلافين في بشر فحلت لعنتها على كل شبر قطرت عليه دمائها.
و قد تشربت الأرض هذه الدماء و دماء أخرى للأفرنج و العرب و الروم و الأغريق ثم بدأت تبصقها من جوفها غضباً قبل ان يفجرها منقب ايطالي حملها من ليبيا الى روما مخبراً جموع الفاشست هناك أنها ذهب أسود.
و منذ ذلك اليوم بدأ لعاب المملكة التي لاتغيب عنها شمس يسيل على ليبيا و شرعت تستنفذ كل مالديها من امكانيات لتظفر بدماء ميدوسا قبل أن يصلها العم سام و يغنمها بعكازه… و صارت الإمارة فنصبوا عليها الأمير الأول .. و خرج الليبيون في برقة من النجوع لتحيي الأمير الذي لم يعش بينهم، و صارت ليبيا حوض إستحمام إقتصادي تغتسل فيها أوروبا و أمريكا من ذنوب العالمية الأولى و الثانية لتبني أدوار العالم الثلاثك و مالبثوا إلا أن تعبوا من النزول إلى العالم الثالث .. ثم عاش الملك ، ثم مات الملك.
و بين عاش و مات خرج القائد الذي تكفل وحده بعمل مضخات تنقل مياه الحوض لدوري العالم الأقصى دون أن ينزل العم سام و يخطوا درجة واحدة فقط ، و انسكبت بضع قطرات من مياه الحوض للتجتمع في وادي الدوم فصوبت كل المدافع و البنادق نحو ذلك الوادي إلى أن حوصر العقيد الذي غدى مشيراً هنالك .

تشارلي تشارلي .. من بنغازي .. من توكرة .. حتى جثامين القتلى في كل زنقة .. في كل دار .. إلى كل فرد.
إلى كل من بيع ببخس
إلى كل من راح فداء من لا يستحقون..
إلى المنسيين
إلى الأموات
إلى كل الأرجل المبتورة
إلى كل الأكتاف التي لم تحمل سوى البنادق
إلى من رفضوا عار الرتب في الحرب.
و قد كنا ثلة من الشباب في المقهى و كانت الساعة من المساء خامسة و الجميع ينفث السجائر على وجه القائد و يحدرونها برشفة مكياطة ليبلعوا كلام القائد ثم صاح القائد بأن معركته ثورة .. بأن ثورته خالدة .. و ضحك جميع من في المقهى بحزن قبل أن تنقطع ضحكاتهم بفعل صوت قصف الطياران في المحور .. تباً ألم تنتهي المعركة و صار اللواء فريقاً .. مشيراً .. قائداً لكل الخراف .. لكل القطيع .. و النقباء أيضاً.
ثم قال نادل المقهى بأنها الإنتقالية الثالثة .. بأن العظمى صارت مباركة و أصبحت اليوم خالدة و عظيمة و استرسل بأن اللعنة على كل ثورات البشر .
و قد كان الطقس رطباً في سوق الحوت يومها و أخذ عاصم القناص المدني بالجيش يقطع المسافة من ميناء بنغازي حتى شارع عمر بن العاص نصف زاحف عبر الممرات التي صنعتها الحرب عنوة عن المنازل لكي يسمع صوت خطيبته الذي أذلتها الحرب برجل نصف محروق جراء إصابات متعددة فأخذت تلبث أن تسأله : إذا كنت حقاً تحارب كيف لايشركونك في إحتفال الجيش بعيد ثورته و إنتصاره؟ .. أجابها و قد إبيضت عيناه من الحزن : أنا نصف مدني و نصف محروق .. أنا للحرب وقودها حينما إستعصى على من يستعرضون اليوم إشعالها في تلك اللحظة إستذكر أغنية الحرب .. ” عيناك حلمي الذي سيكون كبيراً كما يحلم المتعبون .. كبيراً كخير بلادي”.

يتبع ..

بعد الغيّث

جبنة ، زيتون ، زيت زيتون و زعتر .. رغيفين من خبز القمح الأبيض .. وجبة من البياض الكالح .. من الظلام الناصع .. لستُ سكراناً هذه المرة.

السيد : عميد بلدية بنغازي “او ماتبقى منها”.
تحية طيبة و كفى..
في الوقت الذي يكاد فيه الظلام أن ينجلي و الظُلم فلا..
نحيطكم نحن ساكني الشارع رقم ١٩ بأننا و في كل نهاية عام و بداية عام نغرق في الظلام الذي اعلاه و في الظلم الذي تلاه ، حيث في هذا الوقت و من كل عام تقطعون عن شارعنا الصغير الكهرباء ، و أننا لانعلم اذا كنتم تقطعونها في هذا الوقت لتأمين نقل الذخائر و السلاح و لكننا نعلم متأكدين بأنها لن تمر من شارعنا الصغير جداً .. كما لن يمر سيادتكم بعكس الحرب التي مرت منه موتاً ولم تمر دماراً و أننا نستعد أن نموت كل يومٍ حرباً على أن نموت يوماً واحد برداً من أجل بلادكم القحبة.

جبنة ، زيتون ، الخ ..
وجبة من البياض الكالح .. من الظلام الناصع ..
حتماً لستُ سكراناً هذه المرة.

بل أشتهي سكرة العارفين بدينه هو ..
في يوم المولود صبت السماء دموعها على بنغازي فرحاً .. ترنمت على صدى الدف و الطبول و صلت لها صلاة الرحمة .. حبيبة الصالحين .. تحتفل رغم كيد الطالحين .. تدفقت الجموع الى زناقي الذكر و الاوراد جوعاً لما كان عليه ابائهم و أجدادهم .. أعني قبل أن يستوردوا لنا ديناً أسود معلب .. يحرم الفرحة .. و يرحم القانتين قلباً.
يقولون ليلى بالعراق مريضة .. و أقول أن بنغازي مريضة كل ليلة يكال فيها قطع القرون بمكيالين.

في قُليبي شرارة
لا تدفئ برداناً سواي
بين يدي جواز سفر
به تعبر الحدود من الجميع سواي
فمن سواي يقدر و لا يفعل؟
قد تفعل ذلك رصاصة
نحاس
سواها عجوز بلاروسي قبل عشر سنوات .. أو قام بحشوها عسكري صعيدي عجولاً ليرجع لداره .. فرجع و أرسل لنا حرباً .. حرباً ولو إنتهى فيها القتال فإنها لن تنتهي حتى تصنع شعباً من الموتى .
أثناء الإشتباك ، إنسدلت خيوط المطر من السماء و كأنها حرير .. حرير حقيقي .. غير ذلك الذي بربطون به تشريكات الموت في شوارع بنغازي .
الجميع توقف ليستريح بعد قطع المطر للإشتباك .. حتى البنادق جمعت بعضها البعض و رحلت لتترك المكان للحرير .. حرير حقيقي .. كأن هُنالك حواكة تُسدلها على النول لتصنع منها سجادة حمراء صُبغت بالدم و عُقدت بالسلام فصلى عليها جميع من كانوا في شارع عمر بن العاص في ذلك اليوم.
ما أجمل المطر .. و ما أقبح وجه بنغازي عندما يزيل المطر زينتها عنه.

ما لم يوارى الثرى

في يومِ تملئه السحب و تغيب فيه الشمس حُزناً .. تُعزف فيه طلقات الرصاص تحيةً .. أنا أبكي أكثر من أي وقت.

و قد مضى كل شئ على غير خير ،و قد مضى الخير دون أن يعود .. أشق الطرقات و المباني أذرعها بنفسِ تائهة تبكي شوقاً و حرقة كما يبكي الرضيع لفراق امه.


مقبرة الهواري .. التي باتت مثلي تائهة .. خالية حتى من الساقي و القارئ إستقبلتني بالبكاء.

على بابها إستذكرت ذلك اليوم .. كان باهتاً في بدايته مثل سحاب شتاء .. وكنت اجتنب كل شئ سعيد دون سبب .. في ذلك اليوم حزنت كل البيوت في بنغازي .. تألم كل حجر و باب في المدينة و إبتل كساء المنارة من شدة البكاء.

قبران بينهما قبر ..

و سنوات 

و ذكريات لاتُنسى.

لم أخذه يوماً بمأخذ سياسي له علاقة بطبيعة الصراع و ليبيا او حتى بنغازي بذاتها،بل أن الموضوع ينتهي في إفتقاد رفيقين كان اليوم الذي ينقصهما لا يحتسب .. و كان مابيننا كل الجمال .. و كان ثأر مع الموت وحده و مع الله.

حيث أن لاعدالة في أن تموتان …

و في الحيث أن زواجنا و تخرجنا و نجاحنا لم نعشه سوياً.

و حيث أن حتى أبنائنا لم يلعبوا مع بعضهم سوياً.

فكيف يكون العدل في ذلك؟

سامي أيها الماكر.. أمك لازالت تبكيك كل يوم .. في السر و العلن و بين ثناي ليلها الذي أصبح طويلاً منذ أن غبت أنت و لم أقدر أنا أن اضع عيني نصب عيناها الجريحتان من البكاء .. أخي ياصديقي .. يا مهجة كل شئ جميل .. أعذرني فلن أقدر على مواستها.

توفيق أيها المتحذلق العنيد .. لمن أمر أخواتك و شقيقك و أمك من بعدك و قد كنت أنت لهم كل شيئ!

و لعلها محاولة المواساة من الصديق صلاح المسماري قد أعادت جُرحاً الى النزيف .. حيث قال مُرسلاً لي..


قبل ايغيب توفيق وايشيل .. كان امعاي هدزرنا وحكينا

وسامي امعاه من قبل الرحيل .. نا وياه بهمومًا شكينا

نهار اوداع فرقاهم طويل .. ما ضنيت يبقي حان حينه

عليها غاب من خيّرة الجيل .. عليهم دم سيلي ياحزينة

 يانا اليوم من غيبت خليل .. كابي دوم ماعد ريت زينة


نقطة على جبين الأضحى

ولا تقل بأي حال عدت ياعيد .. بل قل أنه لم يأتي العيد في ظروف أجمل من هذه منذ سنوات.أتكلم عن ‫#بنغازي‬ هُنا .. فلا دخل لي بالباقي.

و في يوم واحد صبت السماء كُل السعادة .. تجرعتها نفوس الراغبين فيما تبقى من بنغازي دفعة واحدة ، ولوهلة تبدوا الشوارع مزدحمة و لكنها سلسة تماماً كشراب العنب يروي حلق المدينة المحتقن من ويلات حرب .. حرب ليس لبعضنا فيها ناقة و لا جمل .. لكن لنا جميعاً فيها خروف .. نذبحه قرباناً للرب نضع نقاط دماء على وجوه الأطفال و نتناول لحمه و نمصمص عظمه و نقدد منه زاد الشتاء.

و الوضع مبهج لدرجة الإبتسامة التي تتخللها ضحكة تسمعها في كل الأرجاء و في محاور الموت أيضاً.

تقول لي بأنني نسيت الجلد ..

أقول أجل فلنصنعن منه كفافاً ترتديه حواري المدينة العارية بدمار أقدم شوارعها.

قبل عامين كانت المدينة ترتدي طلسماً لإرهاب أسود اللون .. السنة ترتدي قطعاً من ملابس النصر و تُكبر .. حتى أن تكبيرها بلغ عرفات فتبسم الجبل في وجه الكعبة عن بُعد.

ثم ماذا؟

ثم إنه التاريخ الذي يكتب .. و الذي نشهد نهاية فصل منه ظننا من كثرة بؤسه أنه لن ينتهي.

يوم الغد ستكون الشوارع مليئة بالدماء .. دماء أضاحي الرب و النصر .. لا دماء أبناء المدينة التي سالت لكي نسعد نحن.
ثم ماذا؟

ثم أنتهى

تحت غبار الأرفف

النور الذي تتجرعه دفعةً واحدة .. حتماً سيخلف لك الظلام .كان اليوم عادياً .. بل جداً .. و كانت السماء و الهواء بدون أي مؤثرات كتابية قد يخفيها الكاتب أو ينثرها على وجه الكتاب أيضاً دفعة واحدة.

وكانت كل ناطحات السحاب في بنغازي لاتكفي الناس للعيش رغم بعدها عن المدينة القديمة .. على رفات بوهديمة وقف يبكي وحيداً يشكُ ربه إن أردت ياقارئي وجوده.

إنه من النوع القليل جداً الذي يستطيع فعل أي شيئ عجيب و الذي له امكانيات هائلة و التي بها يمكنه أن يكون مشهوراً او عظيماً او ناجحاً و لكنه يفضل أن يجالسك المقهى عن ذلك و أن يحكي لك عن مواقف كثيرة جداً و قصص لم تسمع عنها من قبل لتعود لتقصها على حبيبتك ليلاً و يعود هو ليكون وحيداً في الظلام.

هذا النوع القليل تتلخص حياته في “أنه كان يمكنه”

و أن هذه الأنه كان يمكنه تؤلمه جداً

وكان المقهى فارغاً عندما تجراء أحدهم في عناده حتى صرخ هو بصوت عالِ : أنت شخص أجوف .. لا تعلم شيئاً .. لا تعلم أنني كان يمكنني أنـ…… لم يكملها .. هكذا قالها .. ثم بكى.
إنه ذلك النوع من القصص التي قد تأتي لخيالك صدفة أو قد تختلقها أنت لمجرد رغبتك في أن تكتب شيئ واحد فقط .. يخبرك أنك حي هنا.
ذلك الشعور الذي لن تشعر به و أنت تتوسط جموعاً من المعارف الذين قد تكون تحبهم او الذين قد أرغموك على حبهم،أيضاً رغماً عن القهوة و الماء و القرابة التي تشربها خلسة وسط الظلام و بين ثنايا الليالي لاتضاهي شعور النشوة بأن تكذب على الناس بالحروف التي يتكلمون بها و يصدقوك رغماً عن أنفسهم اللوامة دائماً.
“تفنى بنغازي قبل الخلق بأربعين عام”

نقلاً عن عبد السلام الأسمري قاطعني صديقي و أنا أحدثه عن أيام شردني الإمساك فيها و الذي ظن صديقي أنه إمساك البراز .. بينما هو إمساك عن شئ أخر لن أخبرك أنت ياقارئي به.
ثم الموت لنا جميعاً .. بما أن الحياة خُصصت للبعض و لم تكن لنا جميعاً .. إنه ذلك الحقد على كل الناجحين في أي شيئ و عن من خصصت لهم الحياة و حُرمت علينا نحن الماضون بالعيش في هذا الثقب الأسود .
أنا لا أكتب بسوداوية .. أنا أكتب ببياض شديد النصوع لدرجة أن عيناك الكبيرتان الزائغتان تراه سوادً.
و المشكلة ان هذه الصفحة بها مجموعة من الأسطر التي لاتهمك و التي لن تهمك و التي أكتبها فقط لكي لا أشعر بالملل

و قد تظل الحقيقة التي خبئتها عن نفسي عدة مرات ..
أنني لم أحاول الكتابة بعد ..

مِحّ

فوق تلك اليابس و تحت ذلك الظل و عبر ذلك الهواء كنت تقول لي أنني أفشل كل يوم .. و أنني سأفشل في كل يوم أكون فيه هنا .. و أن هنا أي فوق تلك اليابسة و تحت ذلك الظل أرض بور .. لاينفع حرثها .. و كنت أقول لك أن تلك الهُنا كانت لي و لأول مرة أقول كلاماً عنك و ليس لك.أخي العزيز في الحرب و السلم .. أنا أكره أن أراك بهذا الضعف و الوهن .. و أكره أن تبكي أنت أمام كل هؤلاء أو البعض من الهؤلاء .. و أكره الموت .. و أكره أن الله فعل بك هذا .. و أحسد أخاك في قبره .

ثم ألم يحن موعد هجران تلك اليابسة و ذلك الظل عبر ذلك الهواء ؟

ألم تكفي تلك الوضائم في كل تلك التعزيات؟

ألم تُشبع هذه الحرب رغبتنا في الموت فصرنا نموت كل يوم ؟

ثم ماذا؟ إنها ليست بلادنا يارفيقي .. ليست لنا .. الفوضى التي نتجرعها اليوم لم نقتطرها من الأساس .. و إذ تقول لي بلسان النصح أنني أسكر كُل يوم بشكل مُفجع يجعلني أغرق و أفشل أقول لك أنني أحاول الاستفاقة من ثملنا طيلة العامين الماضيين .. أنا أصحوا.

وقد بداء الأمر عند شعوري الأول بأن هذه الحرب تُغيرني و تجعلني اكثر تعقيداً و أنتهى يوم رقود أخاك في تلك الحفرة الأكثر أماناً من كل الشوارع فيما تبقى من بنغازي .. الأن نحن لسنا بشراً .. نحن أقرب لمجموعة من القرود تحترب بعضها بعضاً.

ثم اكرر ماقلته للعامل البنقلاديشي في المقهى .. انا اشعر انني اكبر من كل هذا .. اكبر من الحرب .. لكنني اقل اشتعالاً منها .. انا انطفئ هنا شيئاً فشيئ .. اصراري على البقاء يساوي اصراري على الهجرة لكن الهجرة لم تترسخ في عقلي بعد .. ولا في جيبي أيضاً .

أعني كيف للمرء أن يهجر كتاب التاريخ و هو يُكتب؟

وكيف له أن يهاجر الأرصفة و الأصدقاء و الخبز .. الخبز الجميل .. اااه من خبزناً المعجون بدمائنا و عرقنا .. هل له أن ينضج قليلاً؟

مابعد السريالية

و قد اشرقت الشمس .. و لم استيقض انا .. كنت مستيقضاً بطبيعة الحال .. و كذبت على نفسي و على الماء و مثلت انني استيقض الأن.ادلف الماء على وجهي و اغسل شعري الذي بداء في التساقط و احدث الناس بكل ود و اقول لهم كلماتِ يحبونها.

انا امشي دون أدني رغبة في النوم .. اقتحم الشوارع تماماً كدبابة تهتك عرض الفلوجة او بغداد .. استرق النظر عبر النوافذ و الشُرف و أرى ألعاب الأطفال و قوارير السكارى و كُتب الطلبة و ملابس العاهرات .. و الناس نيام .

و هنا البحر .. الشاطئ المتعرج و المتموج .. كخيال راقصة .. تكلمني كل يوم و تحكي لي قصص قبل النوم .. و أكذب عليها كثيراً و اقول لها كلاماً لا أصل له عن مغامراتي في الصحراء و الحرب و عن اشجار التين و اللوز التي لم اراها يوماً و التي لا تنبت في الصحراء من الأصل و عن شارعنا الضيق.

(( ذات يوم مرت الحرب من هنا و مات بدر و احمد و محمد و حمد و علي، و مت انا، و لكنك أحييتني و اطعمتيني عسلاً و خبز و ااسقيتني عصير العنب،كنت اخاله نبيذاً إلى ان سكرت بك .. و لم أشاء أن أرى شيئاً و انا ثمل .. حتى وجه السماء و التي ارفع وجهي إليها لأرى الله .. فأراك أنتِ .. و أكفر.))

و الشوارع لاتبدوا موحشة و هي خالية .. بل تبدوا اكثر كسراً للملل .. ابعد مايمكن عن الكساد .. تكنسها الملائكة و تغسل زجاج محلاتها و تمسح قيئ السكارى عن أرصفتها ،خالية من أثار قدمي الوحش .. و من خدوش خفافيش الشتاء .. هكذا بدت في النهار .. إنها عروس .. عروس حقيقية .. اكذب عليها كل يوم .. و هي تضحك لأنها تعرف أنني اكذب عليها في كل شئ.

(( ذات صباح .. استيقظت انا بدون كذب .. اهلاً أيتها العروس .. صباحُكِ كـ بنغازي .. قبل أن تكون بلا شاطئ ..و تناولنا معاً اللحم على الإفطار ، و حدثتها عن الراقصة التي تركتني وحيداً،لربما ملت من كذبي، لربما إلتقت من هو أكثر كذباً و أقل رتابة مني،ولربما أنا لم ألتقيها من الأساس.))

إلهنا العزيز في السماء و الأرض

إننا خليقتك .. إننا مِنكَ و إليك كما تخبرنا .. فلماذا لم نعد نستشعر ذلك؟

وقد وجد الظالون من خليقتك ي إلهِ العزيز و العزيز جداً طريقتهم ليشعروننا بذلك كما تعلم و خرجوا علينا بتشريعات و نواميس بعضها مِنك و بعضها عليك حتى وصل الحال أن تعددت الألهة و أنت الوحيد الذي لاشريك لك كما يُفترض.

و أنا مِن خليقتك ي إلهِ العزيز  أجهر أنني أضعف كثيراً من أن  أكفر بوجودك و قد حاولت و فشلت ,حتى عندما جبت شوارع بنغازي ذاهباً و إيابً باحثاً عنك ,, وجدتك في قلبي ,, ثابتاً فيه كثبات الغرسة في الأرض  ,, و المشكلة بدأت كما تعلم عندما أذنت للحالة الذهانية المسماة “الشيطان” أن تتحكم في عقلي . و الحل كان دائماً  عند المردين إذا أرشدونني للعزلة و كان فيها ما كان من لقاءات جميلة بيك و إنك إذا تحملنا بين كفيك بحرص شديد إلا أن ذهانية الشيطان تجبرنا على أن نقفز منهما و نختارها.وقد وجدت في ذلك معنى الفرق بين العبودية و العبادة إذا أننا عبادك وليس عبيدك فقد غرست فينا و وهبتنا حرية الإختيار حتى ولو كان إختيار القفز من بين كفيك إلى أحضان الدنيا.

و العالم أصبح مكاناً أسوء للعيش و أبناء خليفتك في الأرض أدم قد جعلوها جحيماً و القيمة لنا كمجموعة منَ البشر أصبحت تساوي أعداد براميل من بول أسود أو وريقات شجر أخذ ثمنها يقلب العالم رأس على عقب و القيمة الفعلية لهذه الأوراق و البراميل لا تساوي شيئاً حقيقياً غير أننا إبتعدنا بطريقة مرعبة عن اللاملموس لنجد انفسنا في عالم لا يؤمن إلا بما هو ملموس إلى المادية اللعينة دون أدنى محاولة للحفاظ على الإرث البشري الذي خُلقنا به في الأصل و الذي كان يجعل فارقاً كبيراً بيننا و بين الحيوانات و البهوميات.

و فجأة بُعيد إنفجار حالة العالم الملموس و المادي أصحبت مأخذ المفاهيم كالحب و الرحمة و الإحترام تتغير نحو أفق مادي غريب فـ الدولة الضعيفة لا يرحمها أحد و الدولة القوية لا يحبها أحد و الدولة الفقيرة لا يحترمها أحد و كذلك طٌبقت مفاهيم الإحترام و الحب و الرحمة على البشر أنفسهم.

و نحن ماتبقى مِن عبادك في ليبيا ي إلهِ العزيز إذا بلغ سيل الحال فينا زباه و أيعنت رؤوسنا منتظرة القطاف نستشعر في أنفسنا و عقولنا التي هي خليقتك من الأساس بعض الإمتعاض عن ماوصلنا إليه ولا نعلم في حقيقة الأمر إن كنا رمينا بأنفسنا إلى تهلكة أو التهلكة أم نحن في حال الصابرين و بشرتهم أم هي جزية المحسنين التي وعدت.

 

بعض مِنَ الظنّ

 

و أنتَ الذي تظنُ في هذا الوقت أن الشئ الوحيد الذي وهبه لك الله ألا وهو عقلك سيجعلك أفضل منهم كُلهم و سيحترمك الناس لأجله و أنا أقول لك أن هذا وهم عظيم و لا وجود له اليوم ,وقد ولى زمن إحترام العقول و الفِكر فاليوم إن لم تكن مشهوراً أو وسيماً أو غنياً أو قوياً فلن يحترمك أحد, و سينبذك الجميع تماماً كدرويش يقبع أمام باب المسجد بعد صلاة العشاء .

و العالم لا يقبع تحت أقدامك التي لاتراها لكبر معدتك البدينة و الأرض لاتدور حولك ولا تُحاكي دوارانها حول نفسها و حول الشمس لأجلك ولا لأجل رغباتك و طموحك  .. فما الحل؟

و الحل في أن تجعل نفسك شئ ضخماً جداً و تقفز أعلى الكون لتربط الأرض بسلك سميك و تقوم بتدويرها حولك .. لكنك ستدور حول نفسك مع ذلك و مِن شدة الدوران لن تحس بشئ فيفقد كل شئ نكهته و طعمه و ستحس في لحظة ما أنك أنت من يدور حول الأرض و ليس العكس.

و “الحاج علي” رُغم ذلك لن يزوجك إبنته لمُجرد أنك تملك عقلاً مُختلف و إبنة “الحاج علي” نفسها لن تتزوجك لأنك قرأت كثيراً مِن الكتب و تعرف أمورً كثيرة عن أشياءِ كثيرة .. فلماذا؟

أجبني أنت كيف لي أن أشتري بأفكارك المختلفة سيارة و كيف سأتناول وجبة عشاء في مطعم فاخر مقابل معرفتك للأمور الكثيرة عن الأشياءِ كثيرة , و الحياة لاتسير بهذا الشكل في عالمنا الرأسمالي المادي و المادي جداً  و قد ولى زمن قيمة الإنسان التي تساوي مافعله بين حياته و مماته و أصبحت قيمة الإنسان في كم يساوي مِن المادة أو مِن الدنيويات الأربع, الشهرة و حسن المظهر و الغنى و القوة.

و أنت لن تمتلك أي من الدنيويات الأربع لمجرد أن الله الذي تعبده يحبك!

ولا لمجرد أنك تسجد له في اليوم خمس مرات أو لأنك تزكي و تصوم و تجاهد فلو كان ذلك فدعني أسألك كيف فعل زعيم القبيلة الغني بالذهب في غابات إفريقيا ذلك! .. و هو الذي لا يعبد شئ و لا يعرف معنى كلمة الله و عن معنى العبادة أي شئ .. و المشكلة ليست أنه لا يعرف .. المشكلة في أنك أنت الذي تجوب شوارع بنغازي و تحفظ المقاهي و الأرصفة عن ظهر قلب لإحترافك الجلوس عليها  تعرف ذلك .. ولكنك لا زلت تظن أنك ستصير غنياً أو مشهوراً أو قوياً فقط لأن الله يحبك.

 إذا مالذي سيحصل لو كانت حياتك و مجراها تحت تصرفك .. تحت أمرك .. تفعل بها ماتشاء دونما أي فرصة من تعليق فشلك على شماعات الله الكبيرة و الكبيرة جداً .. إن كُل هذه المشاكل و المعوقات و التي تُسمى في عُرف رجل المرور “مطبات” بعضها طبيِ كما يُقال في شارعنا الصغير و بعضها جعلت منه الخرسانة أكثر بروداً و قسوة مِن قلب إحداهن حطمت فؤاد أحدهم .. و أنتَ تعلم جيداً أن الناس لن تزيل المطبات مِن شارعك إلا إذا صنعت أنتَ مطبات أكثر قساوة في شوارعهم و هذه هي الحرب حيث الشر و الشر الموازي و ردة الفعل الصحيحة و التي تجعلنا نؤمن على نحو ما أن الشر و المكر أداة النجاح في الكون أكثر بكثير مِن الخير .