سبسي الليل

نهاية اليوم .. لا زلت في البلكوني وقد قارب شحن الموبايل على النفاذ .. أخر سبسي من القرطاس .. وأخر كيس من  شاي الزنجبيل الأنجليزي .. لا أعكرش القرطاس .. بل أضعه بهدوء وسط زملائه في السطل .. الولاعة تتمحقن على السبسي ولا تريد إشعاله .. أنا أستجديها .. وفمي يستجديها .. وماتبقى من عقلي يستجديها ..
أما السبسي الأخير فهو لايستجديها فقط .. بل يركع لها ويبكي بعبرته أن تشعله .. لكي يموت ..  فقد مل حياته الطويلة .. من موظف المصنع الأجرب .. حتى حودة المصري الذي إبتاع لي القرطاس .. السباسي لا تحب الحياة ولا تتمسك بها .. بل بمجرد أن تتزاوج النار يبدء العد التنازلي لموتها وهي فرحة .. مثل الأعزب الجضران الذي تنتهي حريته وسعادته بزواجه ..  البشر بهائم ﻷنهم يحبون الحياة الدنيا ..
الدنيا لم تخلق لنحبها .. بل خلقت لنعاديها ونتحداها وأول شروط التحدي هي أن تكرهها .
أنا لم أكتب هذه الكلام في كامل وعيي .. جوربي العفن “المطوح” في البلكوني رائحته لها مفعول غريب .. تذهب العقل وتسحره .. هي كاصيحات الصافي التى أسمعها الأن وهو يقسم أن العقل لن ينسى ريده .. وأن أصعب صبر هو صبر العاشقين .. وأن عيون عشيقته السمرة سود من مولاهن .. والله أنك أيها الأسود صاحب العقل المدفون في زناقي الوحيشي أصدق من عرفت والأعذب صوتا والأرقى فكراً .. أخر جبدة تتبعها أخر رشفة.
إنتهى.

أضف تعليق