حرب بنغازي و المعركة القادمة

عندما ظننا في ليبيا أن العودة بالزمن قد يكون أمر هيناً و سهلاً كنا جداً مخطئين..و عندما ظننا أنفسنا في بنغازي أعني من في بنغازي أن الموت يُحَارب بالحياة كنا جداً مخطئين .. فبنغازي أو ماتبقى منها على الأقل لم تتعافى بعد ولم تصل حتى لمرحلة التعافي .. فعندما أقول بأن بنغازي أصبحت مدينة قذرة يبرح الصعاليك فيها لا أنقص بذلك بنغازي بأي شيئ.
فتطور الحرب العالمية في موسمها الثالث جعلت ليبيا و بنغازي بصفة خاصة إحدى ميادينها التي لاتقل أهمية عن الباقي بين طرفي النزاع ,واللذان لن أسميهما بالجيش الليبي و مسلحي التنظيمات الإرهابية فقط .. فمسلحي التنظيمات الإرهابية هم صنيعة المنظمات العالمية المسيطرة على الإقتصاد العالمي و السياسة العالمية و التي تهدف لوضع الحجر الأخير في بناء النظام العالمي الجديد الذي وصل مرحلته الأخيرة ,أما القوات الليبية المسلحة و القوات المساندة لها تمثل القوى العالمية المضادة للمشروع العام و هو النظام العالمي الجديد كروسيا و مصر و من في صفهم من القوميين العرب و الإشتراكيين الذين هفت نجمهم منذ خمس سنوات مضت فيما عرفناه بإسم “الربيع العربي”.

إن مايشهده العالم اليوم مزال إمتداداً للصراع الإقتصادي الأول بين الرأسمالية العالمية,و القوى المضادة لها و قد يقف الأخوة المستهينون بنظرية المؤامرة و المقللين من جدواها موقف الند لهذا الكلام ولو كانوا محقين في أن لو كان هنالك مؤامرة فهي من صنيعتنا و قد نكون جزءً منها ولا خلاف معهم في ذلك.
عندما بدأت عملية تمكين الإسلاميين في ماعرف بالثورة الإسلامية في إيران لم يكن أحد يتصور أن ذات العملية و بنفس الخطوات سوف تُطبق لتصبح ثورات تغيير في ظاهرها و تمكيناً للإٍسلاميين في حقيقتها ,وقد واجهت القوى المضادة للمنظمات العالمية المسيطرة هذا التمكين بعد إستفاقتها المتأخرة بدعم القوى الإشتراكية العسكرية في ليبيا و مصر و سوريا محاولة تدارك الموقف,و الحل و الرد البديل للمنظمات العالمية المسيطرة كان جاهزاً و كان تطبيقه سهلاً ..فصناعة قوة إقليمية مثل داعش سواء عبر السعودية أو قطر أو تركيا هو أمر سهل مع الإحتفاظ بالمفتاح الوحيد لهزيمتها وهو ضربها في المقتل الإقتصادي.
إن من جعل اليمن سعيد تعيساً و دمشق ركاماً بعدما كانت جنيف الشرق,هو ذات الفكر الذي فرق بين أم الدنيا و أبنائها و بين شرق ليبيا و غربها و جنوبها .و في ليبيا بعدما نشب الخلاف بين الزعيم الراحل معمر القذافي و بين المنظمات العالمية المسيطرة عرف القذافي كيف يحاربهم جيداً و قصد عزل ليبيا عن العالم و جعل عليها عباءة سوداء لاتبرز مفاتنها للعالم فتسببت هذه العزلة في نقطة ضعف كبيرة خاصة مع فشل القذافي في السيطرة على القطط السمان التي كانت تحكم البلد و تصاعد مستويات الجهل و الفقر في ليبيا ,ووجدت تلك المنظمات ثغرة ألا وهي ماينقص الشعب من خبز و ماء و عدل و وجهت إعلامها في هذا الإتجاه و كان سيف القذافي طريقتهم و وصلتهم عبر نشر أفكارهم كالمصالحة و التغيير و التطور و التنمية و كانت النهاية بأن أصبحت ليبيا أبعد ماتكون عن دولة.

و اليوم بعدما قربت القوى المضادة للمشروع العام في الهيمنة على ليبيا و شرقها عبر وسيلتها المتمثلة في  الفريق خليفة حفتر تستعد تلك المنظمات للمرحلة الأخيرة .. فنشوب الحرب بين النواة الموجودة للقوات الليبية المسلحة أمر أصبح قريب فبسبب دعم تلك المنظمات لمجموعات قبلية مسلحة و وعودها لها بأن تصبح بنغازي لا بل ربما كامل برقة ملكهم هو سبب كاف ليلتفوا على صفهم و ليحاربوا في الغد من يحاربون معهم اليوم,و الفريق خليفة حفتر رغم مكانته العسكرية الكبيرة إلا أنه لا يرقى لأن يكون السياسي الذي تحتاجه المرحلة .. و رغم تعاونه التام مع الرئاسة المصرية إلا أن ذلك لايكفي فالمصرييون قد يبيعونه في لحظة مقابل زيادة بسيطة في المعونة الغذائية أو العسكرية الأمريكية,و المنطق كل المنطق يقول أننا المواطنون الذين ندعي بأننا شرفاء لا يجب أن نهتم بهذه التحاليل و التكهنات بقدر مانهتم بمأكلنا و مشربنا و مضجعنا الذي قد نستيقض في الصباح و لا نجد منه شيئ.

فكرتان اثنتان على ”حرب بنغازي و المعركة القادمة

  1. لم أتوفع أن يكون في ليبيا مثل هذه العقلية الراقية المنظمة ذات البصيرة الثاقبة…أطلب منحضرتك المزيد من التحليل و التوقعات للوضع الراهن..

    إعجاب

  2. أحسنت جدا جدا جدا .. وآخ سطرين هي الخلاصة لما يشعر به المواطن البسيط الذي لا ينتمي للنخبة التي تحلل وتستنتج وتطالب بحرية في التعبير و الراي .. نريد حرية شراءنا الخبز بالسعر الذي نريد !!!!

    إعجاب

أضف تعليق