رسالة غير مرسلة

لأنه صوتك و لأنه أنتِ فقد فرحت.. و إبتسمت .. و ضحكت و تنفست الصعداء بشهوة غير مسبقة .. و لأنني كنت أنا ..ذلك العجوز الكهل الذي إستعمر جسد شاب عشريني بدين يعاني من إنفلونزا خريفية فقد أشعلت سيجارة تماماً كما أشعلتني أنفاسك الهادئة.
للحظة أدركت أنني لا أرى و لا أسمع و لا أتكلم .. فقط أُبصر .
و لأنني بصير سأقول لك بأن الفرق بيني و بين الذي يرى .. أن من يرى يستعمل عينيه لفعل ذلك .. أما أنا بصير .. أو هكذا أدعي أستعمل قلبي و عيناي و كل جوارحي لأبصر.
أن تعودي أم لا ذلك لم يعد مهماً كثيراً .. فقد صرت شخصاً أكثر بروداَ ولا مبالاة من ما سبق .. أكثر مللاً و ترفاً من ماسبق .. أكثر رتابة حيث حدث و أن أحكمت روح العجوز الكهل السيطرة على جسم الشاب العشريني البدين بالكامل ..

الواحدة منتصف ليلة الأثنين نهاية نوفمبر .. لا زالت الإنفلونزا تسيطر على جسدي .. كذلك روح العجوز الكهل .. أنتظر الرسالة النصية التي ستأتيني منك لتخبرينني بقرارك .. و الذي أتوقعه بل أنا متأكد منه بأن يكون رفضاً لحكم محكمة الحظ الذي جمعنا .. و أمتناعاً عن الرد على المدعي العام ألا وهو قلبي بحبك .. إن أصعب الأشياء التي مرت عليا في هذه الفترة و التي أخوض ما أخوض فيها لأول مرة هي أن تخبر شخصاُ ما بأنه كان في وقت ما يحبك أو هكذا أدعي .. أيضاً من الصعب أن تحمل لشخص كم هائل من الذكريات قريبة التاريخ و عميقة المدى وهو الذي لا يحمل لك منها شئ و ربما عن قصد و ربما عن غير قصد.
وفي الربما ربما أكون متهكما و ربما أكون أتوهم التهكم فأكون بذلك أصبت التوقع .. إن كثرة تحليل الأمور و التفكر و التفكير فيها مرض يصيب صاحبه بحزن جلي كئابة ظاهرة لا يستطيع أن يبطن منها شئ ولكن تظل أهم أعراضه هي النقص و الشك .. حيث أقول لكن و أنا أفرك أنفي مقاوماً الزكام و ليس لأنني أكذب كما يدعي خبراء لغة الجسد بأنك ي قارئي لو وصلت لهذه المرحلة ستشك أنك أنت و أنك هنا و أن الله هنا و أن الماء ماء و النور نور و الخبز خبز حتى تثبت الطبيعة العكس أو تهلك أنت محاولاً إثبات ذلك نيابة عن الطبيعة التي شككت في وجودها هي الأخرى.
أصابني هذيان غريب .. أرق .. شرود .. و صرت لا أؤمن إلا بما هو غير ملموس و غير مرئي أدركت أنه هو بعينه المنطق حيث أن الكذب هو الوجود .. و الصدق هو الفناء .. الكون بذاته صادق لا كذب لا حرب و لا أعداء فيه ليس لشئ إلا لأنه غير مرئي ولو كنا نرى جزئاً منه .
القلب يرى .. أمنت بذلك .. صدق الحلاج و لم يكذب .. أنا الله و الله أنا .. روحان حللنا بدنا ..
لا أستطيع أن أروي لك متى رأيت أول مرة مع أنني سأحسن التوقع بأنني رأيت كهفاً لزجاً وهو رحم أمي .. لكنني أستطيع أن أروي لك متى أبصرت أول مرة حين أبصرت حروفاً و كلمات .. و أنتشيت في برزخ حيث اللاحيث .
أين أنت ي خرقاء .. لا زلت أنتظر رسالتك .. فقط إفعليها .. لا تخافي شئ .. و لا تخافي الشئ ..
ربما تكون تشاطر أحدهم المتعة الأن على الهاتف .. أو ربما منشغلة بالدردشة مع أخر غير الذي تشاطر معه المتعة على الهاتف .. تباً هل أحب قحباء؟
ألم أقل لك بأن كثرة الحلحلة و التفكير و التفكر مرض يصيبك بالنقص و الشك؟
توقف أيها العجوز الكهل .. أترك جسد العشريني البدين عنك .. دعه ينقص وزنه و يعيش شبابه و أرحل أنت و كثرة تفكيرك و تفكرك و حلحلتك و شكك و نقصك.
إن الإنسان الذي يقول خالقه عنه إنه على ذلك لكنود كان و لا زال أعظم لغز للإنسان نفسه .. حيث تثير غرائزه التي أرى أنها مزيج بين غرائز ملائكية و شيطانية و أخرى حيوانية جدل الإنسان في الإنسان مع الإنسان و ربما لا يعلم الإنسان أن اللغز و الجدل ينظوي ضمن العلم الذي لا يهتك إلا بزوال الدنيا .. إذاً فلماذا يشغله؟ .. و لماذا لا يتحرر من عبادة الألغاز و الجدائل إلى عبادة الحرية .. و التي هي الله .. و الذي هو خلقه .. و الذي هو زرع به هذه غرائز الذي زرع بعضاً منها قبله في خلائق الحيوان و الشياطين و الملائكة قبل أن يجمعها في مخلوق طيني التكوين و ربوبي التكوين في الروح.
هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هو هوهو …
إن لفظ “هو” و الذي إذا نطق به ناسك متعبد إختار الطريقة الشاذلية تصوفاً سوف تترجم لروحك بأن الهو عائدة لله أما إذا سمعتها من كلب ربما يكون عربياً أو عجمياً أو عقورياً فأنك تسميه نباح .. و ربما يكون الكلب يذكر الله بلفظ هو و الذي هو مورد الأذكار أعلاها مرتبة عند أكثر من طريقة من طرق الصوفية ..
أخذت طريقة أبي الحسن الشاذلي مثلاً عنها وهو المشتهر في الجيل .
نفذ شراب الليمون المطبوخ بالزنجبيل و العسل مني .. و الذي أرتشف منه كوباً كل بضع ساعات .. و أبلع معه ماتيسر من الدواء .. لا أعرف لماذا أكتب الأن ,, أو حتى عن ماذا أكتب .. أصابعي تعصيني .. و ترفض أن تبرح مكانها مستمراً في ضغط لوحة المفاتيح لتخرج كلاماً تقراءه أنت الأن .. عندما بداءت أكتب اليوم .. كنت قد إنتويت أن أكتب رسالة لها .. و قد فشلت . أستطيع بسهولة أن أترجم ما في عقلي إلى كلام .. و لكن كم من الصعب أن أترجم ما في قلبي من كلام.
إنني الأن .. لا أكتب لك .. لا أكتب لها .. أكتب لنفسي .. بنفسي .. من أجل نفسي .. و لأجل تفريغ الشهوة الكتابية لدي.
أنا الأن في بنغازي .. سقطت المدينة من الهاوية .. سقطت من الجرف .. إلى مالا ملامح له .. إلى المجهول .. بجهل المجاهيل .. عن ما سيحدث أقف عن التفكير .. ثم أفكر في العودة للتفكير فأصيب بداء التفكير مرة أخرى .. نقص .. شك .. و أعود لأنظر لهاتفي فأرى ان الرسالة النصية لم تصل بعد .. و ربما لن تصل.

أيها الليبيون .. يلعن دينكم

عدت اليوم فقط لأقول لك بأن مهمتنا لم تنجح .. و أن المعركة ليس بها فرسان و أن رائد الفضاء الذي خرج بسفينة نوح من دولة الحقراء قد إنتحر  .. أما الأقلام لم ترفع بعد و الصحف لازالت مبللة بخراء من ظن بعض الظن الإثم أنهم كتاب و فجأة تبين أنهم كتائب رغم أن التائب لا زال سكرناً على عكس شارب الحب و الذي شرب على ذكر حبيبه مدامة سكر بها من قبل أن يخلق الكرم .. و سأعود مرة أخرى لأقول لك عن النور و النار و اللطف و الهوى و الإسم و الجسم و بنغازي تلك المدينة ذات الثقب و أسود و الفجوة الزمنية الملحدة .

إن غياب المعرفة بالدين نتج عنه مئات و ألاف و مئات الألاف من البلهاء الذين يسيرون في شوارع العنبر “ج” أو ما يعرف ببنغازي .. أو ماتبقى منها .. أو مايزل منها .. تضارباً في مصطلحات الدين و خلطاً جلي بين المرسل و الرسول و المستلم حتى كادت الرسالة أن تضيع أو أنها ضاعت أو إنسكبت عليها قطرات قهوة أو دم أو هكذا خيل لي . 

أيها الليبيون .. يلعن دينكم !!

لم يعد في قبوركم مكان للأموات العاديين .. كلهم شهداء .. كلهم قديسين أجلاء .. سينزلون الفردوس الأعلى .. أتركوا مكاناً للأنبياء و الرسل في الجنة .. لماذا تبغون أن تكون الجنة جماهيرية ثانية .. إن الأمر لدى الليبين لم يتوقف عن التدخل في أعمال الأطباء و المهندسين و المحاميين و المعلمين و الجزارين و العسكريين فقط .. بل فاقوا كل ذلك نزولاً عند رغبتهم في التدخل في شؤون الرب .. أتركوا الرب يعمل أيها الحقراء .. تتحكمون في أرواح و مصائر الناس و حتى و هم في حياة أخرى فتجعلونهم شهداءً و كأنهم أحياء يرزقون عندكم و ليس عند ربهم.

السيد : عميد بلدية بنغازي .

بعد التحية ..

في الوقت الذي تكاد المدينة فيه أن تكون مقبرة للبشر و القطط و السيارات و السلاح .. و في الوقت الذي أهنئ فيه سيادتكم ببذلتكم الجديدة و التي هي هدية من البعثة الأممية أثناء مكوثك أسبوعاً و نيف ببروكسل لممارسة البيدقة و الهرطقة .. أخاطب سيادتكم بكل ما أملك من إستجداء أن تحجز البلدية قبراً لي .. قبل أن تشغر كل مساحة من مدينتنا قبراً .. و أستعطف سيادتكم بأن يكون القبر بنفس الأرض مدافن قتلى الحرب العالمية الثانية بمنطقة الفويهات الذين ربما يكونوا شهداءً في العالم الموازي .. حيث ربما يكون هو العالم الحقيقي .. و عالمنا هو عالم الأموات حيث أشك أننا أحياء .. فنحن لم نرزق بشئ .. و الأحياء وحدهم هم من يرزقون عند ربهم .. على كل أحجز لي القبر و أتمنى أن يكون بأرض خضراء و أن لا توضع به خلاطة إسمنت أو تربة غير طينية .. كما أرجوا من سيادتكم أن تحذوا حذوا باقي المسؤلين و تسرق و تعيث فساداً في المال العام فهذا هو الصح .. و غير ذلك ظلال .. و ظلال مبين .. إن لم تفعل ذلك فأنت غبي .. مع أنني أشك أنك لم تفعل.

حرر في بنغازي في يوم للا إسم له و لا تاريخ له و يبدوا أنه لا نهاية له.

 

قل إني كفرت ..و امن.

لما لم تدم النعمة لعبد الدولار الذي ربح عبد الدرهم بن دينار و قضى عليه في تداول وحيد اليوم .. الرطوبة إعتلت و الصباح قد طل و الشمس تداعب الأسرة من جفون السماء .. و سكب القهوة لا يزل مستمراُ .. و قتل الجميع .. لكن المخرج ظل حياُ و وجد مخرجاُ يخرج منه بعد فشل إخراجه .. وقتلت الكلمات كاتبها .. و كل الكتّاب .. و إستمتعنا برشقات الحروف .. التي تغني بصوت الأزيز أغنية الحرية .. أغنية الدعابة .. أغنية الفرحة وسط بضع ديوك و فراخ.


إن عبادة الشئ الموجود و المادي و الذي تستطيع أن تلمسه و تراه و تشمه و تسمعه هي عبودية دنيئة تنزع منك حرية الشئ و التصرف و التصريف و التفكير , عبادة الله هي في حد ذاتها حرية و حرية مطلقة .. الله لن يقتلك إن لم تعبده و لن يذبحك أو يسجنك .. لن يرغمك على عدم التفكير في ترك عبادته .. كيف لاتكون عبادة الله حرية و حرية مطلقة و هو الذي ترك لك حرية الكفر به .. بغض النظر عن وجودية العقاب في القيامة من الجنة و النار.
ربما أنت لا تؤمن به و كافر به .. و لكنك تقول بأنك تؤمن بقوة عظمى خلقت الكون و صنعته .. تسميها القوى العليا .. أحدهم يسميه المهندس الأعلى للكون .. و الأخر يقول بأنها الطبيعة..لك أن تسميها ماشئت .. لكن بشريطة أن تعاين المعايير و المواصفات لينتهي بك الأمر بأن القوى العليا هي القوى العظمى و هي الطبيعة و هي المهندس الأعلى للكون الذي هو الله .. الواحد .. الخالق .. المبدع .. الذي عدد لنا من أسمائه مانعرفه و مالا نعرفه.
إن الخلط بين وجوبية الإيمان بالدين و خالق الدين هو الخطاء الذي يقع فيه الكثيرون ..  أوجب الإيمان بخالق الدين .. ولو أمنت ستصل لدين الخالق .. و ستتحرر من عبودية المادة و الكفر باللامادي إلى عبادة مالا عبادة إلا له.
إن ذهبت لشراء تذكرة لفيلم سينمائي جديد .. وجدت إزداحماُ عليه .. لم تحصل على تذكرة .. وعند إنتهاء العرض .. أخبرك الجميع بأنه أجمل فيلم شاهدوه في حياتهم .. عندها سوف تكفر بذلك تعزية لنفسك التي لم تستطع الحصول على تذكرة .. و تقول بأن الفيلم ليس جميلاُ حتى يثبت العكس بمشاهدتك له .. و لكن متى .. بعد فوات الأوان .. بعد أن ظهر فيلمُ جديد.

ولا زلت أقول لك بأنك لم تقرأ .. أو أنك قرأت .. و حفظت .. و لكنك لم تفهم .. قراءة الحفظ ليست هي قراءة الفهم .. ليس المهم أن تقراء كثيراُ .. المهم ما ستقرأ و كيف ستقرأ .. فـ إقرأ .. أو تراك لاتعلم ما أنت به قارئ .. فـ أقول لك نيابة عنه بأن تقرأ مالا حروف به .. ومالا كلمات فيه .. أن تقرأ الحشرة و الألوان و النور و الماء و الحياة و القسوة و العقاب و الأمل و فرح و السعادة و الرأفة … إقرأ أسمائه لتعرف أنه هو خالقك .. الإنسان هو الصورة المصغرة من خالقه كما يقول العارف بدين الله القطب الظاهر الإمام النفري .. أنت سميع و بصير و  واحداُ فرداُ .. وهو السميع و البصير و العارف و الواحد فـ إقرأ أرجوك.