ما لم يوارى الثرى

في يومِ تملئه السحب و تغيب فيه الشمس حُزناً .. تُعزف فيه طلقات الرصاص تحيةً .. أنا أبكي أكثر من أي وقت.

و قد مضى كل شئ على غير خير ،و قد مضى الخير دون أن يعود .. أشق الطرقات و المباني أذرعها بنفسِ تائهة تبكي شوقاً و حرقة كما يبكي الرضيع لفراق امه.


مقبرة الهواري .. التي باتت مثلي تائهة .. خالية حتى من الساقي و القارئ إستقبلتني بالبكاء.

على بابها إستذكرت ذلك اليوم .. كان باهتاً في بدايته مثل سحاب شتاء .. وكنت اجتنب كل شئ سعيد دون سبب .. في ذلك اليوم حزنت كل البيوت في بنغازي .. تألم كل حجر و باب في المدينة و إبتل كساء المنارة من شدة البكاء.

قبران بينهما قبر ..

و سنوات 

و ذكريات لاتُنسى.

لم أخذه يوماً بمأخذ سياسي له علاقة بطبيعة الصراع و ليبيا او حتى بنغازي بذاتها،بل أن الموضوع ينتهي في إفتقاد رفيقين كان اليوم الذي ينقصهما لا يحتسب .. و كان مابيننا كل الجمال .. و كان ثأر مع الموت وحده و مع الله.

حيث أن لاعدالة في أن تموتان …

و في الحيث أن زواجنا و تخرجنا و نجاحنا لم نعشه سوياً.

و حيث أن حتى أبنائنا لم يلعبوا مع بعضهم سوياً.

فكيف يكون العدل في ذلك؟

سامي أيها الماكر.. أمك لازالت تبكيك كل يوم .. في السر و العلن و بين ثناي ليلها الذي أصبح طويلاً منذ أن غبت أنت و لم أقدر أنا أن اضع عيني نصب عيناها الجريحتان من البكاء .. أخي ياصديقي .. يا مهجة كل شئ جميل .. أعذرني فلن أقدر على مواستها.

توفيق أيها المتحذلق العنيد .. لمن أمر أخواتك و شقيقك و أمك من بعدك و قد كنت أنت لهم كل شيئ!

و لعلها محاولة المواساة من الصديق صلاح المسماري قد أعادت جُرحاً الى النزيف .. حيث قال مُرسلاً لي..


قبل ايغيب توفيق وايشيل .. كان امعاي هدزرنا وحكينا

وسامي امعاه من قبل الرحيل .. نا وياه بهمومًا شكينا

نهار اوداع فرقاهم طويل .. ما ضنيت يبقي حان حينه

عليها غاب من خيّرة الجيل .. عليهم دم سيلي ياحزينة

 يانا اليوم من غيبت خليل .. كابي دوم ماعد ريت زينة


نقطة على جبين الأضحى

ولا تقل بأي حال عدت ياعيد .. بل قل أنه لم يأتي العيد في ظروف أجمل من هذه منذ سنوات.أتكلم عن ‫#بنغازي‬ هُنا .. فلا دخل لي بالباقي.

و في يوم واحد صبت السماء كُل السعادة .. تجرعتها نفوس الراغبين فيما تبقى من بنغازي دفعة واحدة ، ولوهلة تبدوا الشوارع مزدحمة و لكنها سلسة تماماً كشراب العنب يروي حلق المدينة المحتقن من ويلات حرب .. حرب ليس لبعضنا فيها ناقة و لا جمل .. لكن لنا جميعاً فيها خروف .. نذبحه قرباناً للرب نضع نقاط دماء على وجوه الأطفال و نتناول لحمه و نمصمص عظمه و نقدد منه زاد الشتاء.

و الوضع مبهج لدرجة الإبتسامة التي تتخللها ضحكة تسمعها في كل الأرجاء و في محاور الموت أيضاً.

تقول لي بأنني نسيت الجلد ..

أقول أجل فلنصنعن منه كفافاً ترتديه حواري المدينة العارية بدمار أقدم شوارعها.

قبل عامين كانت المدينة ترتدي طلسماً لإرهاب أسود اللون .. السنة ترتدي قطعاً من ملابس النصر و تُكبر .. حتى أن تكبيرها بلغ عرفات فتبسم الجبل في وجه الكعبة عن بُعد.

ثم ماذا؟

ثم إنه التاريخ الذي يكتب .. و الذي نشهد نهاية فصل منه ظننا من كثرة بؤسه أنه لن ينتهي.

يوم الغد ستكون الشوارع مليئة بالدماء .. دماء أضاحي الرب و النصر .. لا دماء أبناء المدينة التي سالت لكي نسعد نحن.
ثم ماذا؟

ثم أنتهى