*جزء من النص مفقود*

تشارلي تشارلي ..
الطريق من البيضاء إلى بنغازي ملئة بالجثث .
وفي أساطير الأولين يقال بأن البوسعدية قد قطع رأس ميدوسا هنا و حمله بيديه في الطريق من نهر الليثون حتى حوض الدلافين في بشر فحلت لعنتها على كل شبر قطرت عليه دمائها.
و قد تشربت الأرض هذه الدماء و دماء أخرى للأفرنج و العرب و الروم و الأغريق ثم بدأت تبصقها من جوفها غضباً قبل ان يفجرها منقب ايطالي حملها من ليبيا الى روما مخبراً جموع الفاشست هناك أنها ذهب أسود.
و منذ ذلك اليوم بدأ لعاب المملكة التي لاتغيب عنها شمس يسيل على ليبيا و شرعت تستنفذ كل مالديها من امكانيات لتظفر بدماء ميدوسا قبل أن يصلها العم سام و يغنمها بعكازه… و صارت الإمارة فنصبوا عليها الأمير الأول .. و خرج الليبيون في برقة من النجوع لتحيي الأمير الذي لم يعش بينهم، و صارت ليبيا حوض إستحمام إقتصادي تغتسل فيها أوروبا و أمريكا من ذنوب العالمية الأولى و الثانية لتبني أدوار العالم الثلاثك و مالبثوا إلا أن تعبوا من النزول إلى العالم الثالث .. ثم عاش الملك ، ثم مات الملك.
و بين عاش و مات خرج القائد الذي تكفل وحده بعمل مضخات تنقل مياه الحوض لدوري العالم الأقصى دون أن ينزل العم سام و يخطوا درجة واحدة فقط ، و انسكبت بضع قطرات من مياه الحوض للتجتمع في وادي الدوم فصوبت كل المدافع و البنادق نحو ذلك الوادي إلى أن حوصر العقيد الذي غدى مشيراً هنالك .

تشارلي تشارلي .. من بنغازي .. من توكرة .. حتى جثامين القتلى في كل زنقة .. في كل دار .. إلى كل فرد.
إلى كل من بيع ببخس
إلى كل من راح فداء من لا يستحقون..
إلى المنسيين
إلى الأموات
إلى كل الأرجل المبتورة
إلى كل الأكتاف التي لم تحمل سوى البنادق
إلى من رفضوا عار الرتب في الحرب.
و قد كنا ثلة من الشباب في المقهى و كانت الساعة من المساء خامسة و الجميع ينفث السجائر على وجه القائد و يحدرونها برشفة مكياطة ليبلعوا كلام القائد ثم صاح القائد بأن معركته ثورة .. بأن ثورته خالدة .. و ضحك جميع من في المقهى بحزن قبل أن تنقطع ضحكاتهم بفعل صوت قصف الطياران في المحور .. تباً ألم تنتهي المعركة و صار اللواء فريقاً .. مشيراً .. قائداً لكل الخراف .. لكل القطيع .. و النقباء أيضاً.
ثم قال نادل المقهى بأنها الإنتقالية الثالثة .. بأن العظمى صارت مباركة و أصبحت اليوم خالدة و عظيمة و استرسل بأن اللعنة على كل ثورات البشر .
و قد كان الطقس رطباً في سوق الحوت يومها و أخذ عاصم القناص المدني بالجيش يقطع المسافة من ميناء بنغازي حتى شارع عمر بن العاص نصف زاحف عبر الممرات التي صنعتها الحرب عنوة عن المنازل لكي يسمع صوت خطيبته الذي أذلتها الحرب برجل نصف محروق جراء إصابات متعددة فأخذت تلبث أن تسأله : إذا كنت حقاً تحارب كيف لايشركونك في إحتفال الجيش بعيد ثورته و إنتصاره؟ .. أجابها و قد إبيضت عيناه من الحزن : أنا نصف مدني و نصف محروق .. أنا للحرب وقودها حينما إستعصى على من يستعرضون اليوم إشعالها في تلك اللحظة إستذكر أغنية الحرب .. ” عيناك حلمي الذي سيكون كبيراً كما يحلم المتعبون .. كبيراً كخير بلادي”.

يتبع ..

أضف تعليق